وصايا مع بدايةِ العامِ الدراسيِّ

وصايا مع بدايةِ العامِ الدراسيِّ

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

أَمَّا بَعْدُ : أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فِي الْأَيَّامِ الْقَادِمَةِ نَسْتَقْبِلُ بِدَايَةَ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ ، وَهي مُنَاسَبَةٌ جَدِيرَةٌ بِالْعِنَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ ، تَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّذْكِيرِ  ، وَالذِّكْرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، فَمَعَ بِدَايَةِ الدِّرَاسَةِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقِفَ مَعَ هَذِهِ الْـمُنَاسَبَةِ وَقَفَاتٌ مِنْهَا :

الَوَقْفَةُ الْأُولَى : غَرْسُ المَبَادِئِ الْمُهِمَّةِ فِي نُفُوسِ أَبْنَائِنَا ، وَفِي مُقَدِّمَتِهَا الْإِخْلَاصُ ؛ الْإِخْلَاصُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَاسْتِشْعَارُ أَهَمِّيَّتِهِ وَفَضْلِهِ .

وَطَلَبُ الْعِلْمِ مِنَ الْعِبَاداتِ الَّتِي يَجِبُ الْإِخْلَاصُ فِيِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ، وَقَالَ تَعَالَى : ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .

فَطلَبُ العلْمِ شَرفٌ عَظيمٌ ؛ لِمَا فيه مِن إقامةِ الدِّينِ والدُّنيا ، ويَنْبَغي عَلَى مَن سَعَى في تَحْصِيلِهِ أنْ يَبْتَغِيَ بهِ وجْهَ اللهِ تَعَالى ، وأنْ يَبتعِدَ عن الرِّياءِ والسُّمعةِ ومُباهاةِ الناسِ بالعِلمِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَن تعلَّمَ العِلمَ لِيُباهِيَ به العُلماءَ  ، أَوْ يُمارِيَ بهِ السُّفهاءَ ، أَوْ يَصْرِفَ بهِ وُجوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ ، أَدْخَلَهُ اللهُ جَهنَّمَ» ، رَواهُ أبُو داوُدَ، وهو حديثٌ صحيحٌ .

 فَفِي هَذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : «مَن تعلَّمَ العِلمَ لِيُباهِيَ به العُلماءَ» ، أيْ : تعلَّمَهُ مِن أجْلِ الْـمُفاخَرةِ والْـمُباهاةِ أمَامَ العُلماءِ ، وهذا عَكْسُ الْـَمطْلُوبِ مِنَ الْـَمرْءِ ؛ بأنْ يَعرِفَ لَلعُلماءِ حَقَّهُم وتَقْديرَهُم وَاحْتِرامَهُمْ ، «أو يُمارِيَ بهِ السُّفهاءَ» ، أَيْ يُجَادِلُ وَيُحَاجُّ بِهِ السُّفَهَاءِ ، «أوْ يَصْرِفَ بهِ وُجوهَ الناسِ إِلَيْهِ» ، أي : لِيَلْفِتَ أنْظَارَ النَّاسِ إليهِ بِقَصْدِ أنْ يُشارَ إليْهِ بالعِلْمِ ، فمَن طلَبَ العِلمَ وَهُوَ يَقْصِدُ أحدَ هَذِهِ الأَشْياءِ ، أدخَلَه اللهُ جَهنَّمَ ؛ لأنَّه لَـمْ يُخْلِصْ فِي طلَبِ العلْمِ، ولَـمْ يَجعَلْهُ خَالصًا لوجْهِ اللهِ تَعَالى ، وَهَذا مِنَ الوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ فعَلَ ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» ، فلْيَكُنْ قصْدُ طالِبِ العِلْمِ رفْعَ الجهْلِ عَنْ نفْسِهِ ، وتَعليمَ النَّاسِ وَدَعْوَتَهُمْ إلى اللهِ .

فَغَرْسُ الْإِخْلَاصِ فِي نُفُوسِ الْأَبْنَاءِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ  أَمْرٌ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ ، وإنَّ من أَخْطَرِ آفَاتِ الْعِلْمِ ، وَأَسْبَابِ مَحْقِ بَرَكَتِهِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ .

الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ : مَعْرِفَةُ مَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِمَنْ سَعَى فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَحْصِيِلِهِ  . وَمَا وَعَدَ اللهُ مَنْ سَعَى فِي طَلَبِ الْعِلْمِ مِنَ الْأُجُورِ الْعَظِيمَةِ الّتِيِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَشْعَرَهَا الْأَبْنَاءُ ، وَيَسْعَوْنَ إِلَى تَحْقِيقِهَا وَإِلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا ، وَهِيَ وَاللهِ أَسْمَى مِنَ الْوَظِيفَةِ وَأَعْظَمُ مِنَ الرَّاتِبِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾  ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ .

وَنَذْكُرُ لَهُمْ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ، رَواهُ أبُو داوُدَ، وهو حديث صحيح .

نَذْكُرُ لَهُمْ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَنُذَكِّرُهُمْ بِهَا ، لِيَكُونُوا عَلَى بَيِّنَةٍ ، وَلِيَضَعُوا فِي أَذْهَانِهِمْ أَهْدَافًا سَامِيَةً وَيَسْعَوْا إِلَى تَحْقِيقِهَا .

الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ : عَلَيْنَا أَنْ نَغْرِسَهَا فِي نُفُوسِ أَبْنَائِنَا الطُّلَّابِ : احْتِرَامُ الْمُعَلِّمِ ؛ فَإِذَا احْتَرَمَ الطَّالِبُ مُعَلِّمَهُ اسْتَفَادَ مِنْهُ ؛ اسْتَفَادَ مِنْ عِلْمِهِ ، اسْتَفَادَ مِنْ أَدَبِهِ ، اسْتَفَادَ مِنْ تَجَارِبِهِ .

فَالْمُعَلِّمُ جَدِيرٌ بِالِاحْتِرَامِ ، جَدِيرٌ بِالْإِكْرَامِ ، وَأَعْنِي بِالْمُعَلِّمِ : ذَلِكَ الْمُعَلِّمُ الْمُخْلِصُ ، الَّذِي يَبْذُلُ مَا بِوُسْعِهِ مِنْ أَجْلِ تَعْلِيمِ الْأَجْيَالِ وَتَرْبِيَةِ النَّشْءِ ، وَتَقْوِيمِ سُلُوكِهِمْ ، فَمُعَلِّمٌ كَهَذَا مِنْ وَاجِبِ الْأُمَّةِ شُكْرُ جُهُودِهِ ، وَالِاعْتِرَافُ بِفَضْلِهِ ، وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ .

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِهُدَاهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا فِي رِضَاهُ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

الخُطْبَةُ الثانيةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على نبيِّنا محمِّدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين ، أَمّا بَعدُ :

الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ : أنْ يُغْرَسَ فِي نُفُوسِ الْأَبْنَاءِ وَهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ عَامَهُمُ الدِّرَاسِيَّ : تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ ، يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ : ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ، وَاتَّقُوا اللهَ ؛ أَيْ : خَافُوهُ وَرَاقِبُوهُ وَاتَّبِعُوا أَمْرَهُ وَاتْرُكُوا نهيَه  ، فَالتَّقْوَى مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا الطَّالِبُ ، وَهِيَ خَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ . فَإِذَا اتَّقَى الطَّالِبُ ربَّه ، جُعِلَ لَهُ فُرْقَانٌ ؛ أَيْ : نَجَاةٌ وَمَخْرَجٌ وَفَصْلٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، بَلْ وَجُعِلَ لَهُ نُورٌ يَمْشِي بِهِ ، وَغُفِرَ لَهُ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك وتَحَوُّلِ عافيتِك وفَجْأَةِ نقمتِك وجميعِ سَخَطِك .

اللهُمَّ لا تُؤاخِذْنا بما يفعلُه السفهاءُ منا يا أرحمَ الراحمين . اللهُمَّ أوزعْنا شُكْرَ نِعَمِك واجْعلنا من عبادِك الشاكرين . اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا واحفظْ بلادَنا من كُلِّ شَرٍّ ومكروهٍ يا ربَّنا . اللهُمَّ ارفعْ البلاءَ عن المستضعفين من المؤمنين في كلِّ مكانٍ ، اللهُمَّ ارحمْ ضعفَهم وتولَّ أمرَهم واجبُرْ كسرَهم وعجِّل بِفَرَجِهم ، اللهُمَّ احقِنْ دماءَهم واستُرْ عَوْرَاتِهم وآمِنْ روعاتِهم ، اللهُمَّ ارحمْ ميِّتَهم واشفِ مريضَهم وأطعمْ جائعَهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرَهم وثَبِّتْ أقدامَهم وكُنْ لهم عوناً ونصيراً ومؤيِّداً يا أرحمَ الراحمين . اللهمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ . وآخـــرُ دعــوانا الحمدُ للهِ ربِّ العالمين .

انتقاء وتنسيق مجموعة خطب منبرية

قناة التيلغرام :

t.me/kutab