دَآءُ الـحَسَدِ
- بتاريخ : الأربعاء 1 ربيع الأول 1446ﻫ
- مشاهدات :
دَآءُ الـحَسَدِ
الخطبةُ الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، أما بعدُ: فأوصيكم ونفسِـي بتقوى اللهِ، فاتَّقوا اللهَ -رحمكم اللهُ-، فتقوى اللهِ هي الوصيةُ الجامعةُ، والموعظةُ النافعةُ، فاتَّقُوه واعلَموا أنَّكم مُلاقُوه، واحذَرُوه واذكرُوه، واشكرُوا له واستغفرُوه، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.
أيها المسلمونَ : صلاحُ الجوارحِ بصلاحِ القلبِ، وأعمالُ القلوبِ في الثوابِ والعقابِ كأعمالِ الجوارحِ، وإصلاحُ القلبِ أفضلُ من نوافلِ العباداتِ، ولا ينالُ المسلمُ الكَمَالَ إلا بزوالِ ما بقلبِه من الحسدِ والأضْغانِ. والحسدُ خلقٌ ذميمٌ، اتَّصَفَ به إبليسُ، فَرَفَضَ أنْ يسجدَ لآدمَ؛ حَسَدًا له، ﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾، فكان الحسدُ أوَّلَ ذنبٍ عُصِـي اللهُ به. وهو من صفاتِ اليهودِ والنَّصَارى، قال سبحانه: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾، وبِه يتمنَّونَ إخراجَ أهلِ الإسلامِ عن دينِهم، قال عز وجل: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم﴾. وقدْ يمنعُ من الدُّخولِ في الإسلامِ، قال المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ لأبي جَهْلٍ: هل كنتم تَتَّهمُون محمَّدًا بالكذبِ قبل أن يقولَ ما قالَ؟ فقالَ: واللهِ لقد كان محمدٌ فينا وهو شابٌّ يُدعَى الأمينُ، فما جرَّبنا عليه كَذِبًا قطُّ. قالَ: فما لَكم لا تتَّبعُونَه؟ قال: تَنَازَعْنا نحنُ وبنو هاشِمٍ الشَّـرَفَ، فأطْعموا وأطْعمنَا، وسَقَوا وسَقَيْنا، وأَجَارُوا وأَجَرْنَا، حتَّى إذا تَجَاثَيْنَا على الركبِ وكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهانٍ قالوا: مِنَّا نبيٌ، فمتى نُدرِكُ مثلَ هذه، واللهِ لا نؤمِنُ به ولا نصدِّقُه أبدًا. وصَاحِبُ الحَسَدِ قد يُؤذي الآخرينَ ورُبَّما قتلَهم، ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾. قال ابنُ رَجَبٍ -رحمه اللهُ-: ((الحسدُ مركوزٌ في طِبَاعِ البَشرِ، والسعيدُ من سَعا إلى دفعِه)).
والحسَدُ يمنعُ كمالَ الإيمانِ؛ قال النبيُ ﷺ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متَّفَقٌ عليه. وقد حذّرَ النبيُ ﷺ أمَّتَه من هذا الداءِ فقال: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» رواه مُسْلِمٌ.
عبادَ اللهِ: الحَسَدُ مَنْبَعُ الشُّرورِ، ويُوجبُ الظلمَ ويُورِثُ القطيعةَ، قال ابن عَقِيلٍ-رحمه اللهُ-: ((اعْتبرتُ الأخلاقَ -أيْ تأمَّلْتُها- فإذا أشدُّها وبالاً الحسَدُ)). والحاسدُ ضعيفُ النفسِ، فكلُّ نعمةٍ على غيرِه يراها عظيمةً، مُبْغِضٌ لنعمِ اللهِ على عبادِه، إنْ رأى فضلَ اللهِ على خلقِه اغتمَّ، وإنْ عاينَ زوالَها سُرَّ، فلا راحةَ لحاسدٍ؛ يفرحُ لحزنِ الناسِ ويحزنُ لفرحِهم، ولسانُه يُخْرجُ سوادَ قلبِه، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾. وليس في خصالِ الشـرِّ أسوأُ من الحسدِ؛ ينتقمُ صاحبُه من نفسِه بنفسِه قبلَ أنْ يصلَ إلى المحسودِ. والحسَدُ رِفْعَةٌ للمحسودِ؛ إذ النفوسُ لا تحْسُدُ إلا العظيمَ، وكمْ من نعْمةٍ خافيةٍ أظهرَها حسودٌ!، وكمْ من إنسانٍ أُثْنِي عليه بعدَ أنْ حُسِدَ.
والمحسودُ مظلومٌ مأمورٌ بالصبرِ والعفوِ والصفحِ؛ قال عز وجل: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. ويوسُفُ -عليه السلامُ- قال لإخوتِه: ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾.
عبادَ اللهِ: الحسدُ معصيةٌ يجبُ على المسلمِ أن يتوبَ منها، وأنْ يرضىَ بالقضاءِ ويستسلمَ للمقدورِ، ولا يعارضَ اللهَ في أمرِه، ويفرحَ بكرَمِ اللهِ على عبادِه، ويدفعَ عن قلبِه تلك المعصيةَ؛ طاعةً للهِ وخوفًا من عقابِه، وأنْ يَنظرَ لمن هو دونَه، ويتذكَّرَ نِعَمَ اللهِ عليه، ويَقْنَعَ بعطاءِ اللهِ له، ويتعوَّذَ باللهِ من الحسدِ، ويبادرَ إلى الدعاءِ للمحسودِ، ويتمنى زيادةَ الخيرِ لأخيِه المسلمِ، فمَنْ أعطى غيرَك نعمةً قادرٌ -سبحانَه- أنْ يُعطِيَك مثلَها وأحسْنَ مِنْها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبةُ الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكْرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسَلَّم تسليمًا كثيرًا. أمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ حقَّ التقوى، وراقِبوه في السّرِّ والنجوى.
أيها المسلمون: أحبُّ القلوبِ إلى اللهِ أرقُّها وأصفاها، ولا أهنأَ حياةً من مؤمنٍ سليمِ الصدرِ، إنْ رأى نعمةً ساقَهَا اللهُ إلى أخيه فرِحَ بها ورأى فضلَ اللهِ فيها.
وما عادى أحدٌ مسلمًا فأفلحَ. وفي الرضا بما قَسَمَه اللهُ سلامةٌ للقلبِ، وكلَّما كانَ العبدُ أشدَّ رضاً كان القلبُ أسلمَ، وعلى المرءِ أن يقهرَ نفسَه عن مذمومِ خُلُقِها، ويحْجِزَها عن لئيمِ طبعِها.
ومن أحبَّ أن يُنعمِ اللهُ عليه فلا يلتفتْ لأحوالِ الناسِ، وليجْعَلْ صدرَه سليمًا، ومنْ نظرَ إلى ذنوبِه استكْثَرَ ما هُو فِيه من النِّعمِ، وما حَفِظَ عبدٌ نعمةَ اللهِ عليه بمثلِ شُكرِها، وما عرَّضَها للزوالِ بمثلِ عِصيانِ اللهِ بها؛ فسارِعوا بشُكرِ نِعمِه عليكمْ يَزدْكُمْ من فضلِه، ويَهَبْ لكم من الخيرِ ما تسعدونَ به في الدُّنيا والآخِرةِ.
عِبَادَ اللهِ : قَالَ اللهُ جَلَّ في عُلَاهُ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ. اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَأَتْبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُمَّ طَهِّرْ قلوبَنا من كلِّ غِلٍّ وحِقْدٍ وحَسَدٍ وغِشٍّ، اللهُمَّ اجْعَلْ قلوبَنا تقيَّةً نقيَّةً سليمةً لإخوانِنا المسلمين، اللهم اجْعَلْنا ممن يأتيْكَ يومَ القيامةِ بقلبٍ سليمٍ، واغفرْ لنا ولإخوانِنا الذين سَبَقُونا بالإيمانِ، ولا تَجْعَل في قلوبِنا غِلًّا للذين آمنُوا ربَّنَا إنك رؤوفٌ رحيمٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ وَأَيِّدْهُمَا بِتَأْيِيدِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ الْطُفْ بِإِخْوَانِنَا فِي فِلِسْطِينَ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْمُعْتَدِينَ، وَأَعْوَانِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْخَوَنَةِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا وَعَقِيْدَتَنَا وَقَادَتَنَا وَرِجَالَ أمْنِنَا بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيراً عَلَيْهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيْزُ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
___________________________________________
جزى الله خيرا من أعدها وكتبها .
◙ انتقاء وتنسيق مجموعة خطب منبرية
◙ قناة التيلغرام :
◙ الموقع الاكتروني :
◙ وصلنا ولله الحمد إلى 20 مجموعة واتس ، وهذا رابط المجموعة رقم 8
https://chat.whatsapp.com/KPCm9XasSR9CAAa0H9W2Qc