الأمانة والمحافظة على المال العام
- بتاريخ : الخميس 4 جمادى الآخرة 1446ﻫ
- مشاهدات :
الأمانةُ وحفظُ المالِ العامِ
الخطبة الأولى
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يَضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، أَمَّا بَعْدَ: عِبَادَ اللَّهِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]. فِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ نِدَاءٌ مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَحْذَرُوا مِنْ أَنْوَاعِ الْخِيَانَةِ الثَّلاَثِ:
الأُولَى: خِيَانَةُ اللهِ بِاقْتِرَافِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ وَالَّتِي أَعْظَمُهَا الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
الثَّانِيَةُ: خِيَانَةُ الرَّسُولِ؛ بِتَرْكِ سُنَّتِهِ، أَوْ تَكْذِيبِ خَبَرِهِ، أَوْ عِصْيَانِ أَمْرِهِ، أَوْ عِبَادَةِ اللهِ بِمَا لَمْ يَشْرَعْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [ الحشر : 7 ].
الثَّالِثَةُ: خِيَانَةُ الأَمَانَةِ، وَعِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنِ الأَمَانَةِ نَتَكَلَّمُ عَنِ الْخُلُقِ الثَّابِتِ فِي النَّفْسِ الَّتِي عَظَّمَ اللهُ تَعَالَى أَمْرَهَا، وَرَفَعَ شَأْنَهَا، وَأَعْلَى قَدْرَها؛ فَبِهَا تُحْفَظُ الْحُقُوقُ، وَتُؤَدَّى الْوَاجِبَاتُ، وَتُصَانُ الدِّمَاءُ وَالأَمْوَالُ وَالأَعْرَاضُ، وَبِهَا تُعْمَرُ الدِّيَارُ وَالأَوْطَانُ، وَيُقَامُ الدِّينُ، وَيُعْبَدُ اللهُ فِي أَرْضِهِ، وَبِهَا يَنَالُ الْعَبْدُ رِضَا رَبِّهِ، وَثَنَاءَ النَّاسِ لَهُ مِنْ حَوْلِهِ، فَلاَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَيُّ مُجْتَمَعٍ أَوْ دَوْلَةٍ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾ [الأحزاب: 72].
وَمِنَ الأَمَانَةِ حِفْظُ الْمَالِ الْعَامِ الَّذِي جَعَلَهُ وَلِيُّ الأَمْرِ لِعُمُومِ النَّاسِ وَمَنَافِعِهِمْ، وَهُوَ أَشَدُّ فِي حُرْمَتِهِ مِنَ الْمَالِ الْخَاصِّ؛ لِكَثْرَةِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَتَعَدُّدِ الذِّمَمِ الْمَالِكَةِ لَهُ؛ لأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ؛ والخيانةُ في المالِ العامِّ مِنَ الْغُلُولِ الَّذِي نَهَى اللهُ عَنْهُ، وَحَذَّرَ مِنْهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161] .وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم.
وَفِي الصَّحِيحِيْنِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ: إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ»، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». فَانْظُرُوا – يَا رَعَاكُمُ اللهُ – كَيْفَ غَضِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَبُولِهِ لِلْهَدِيَّةِ هُنَا، وَهُوَ قَدْ أَدَّى مَالَ الْمُسْلِمِينَ بَحَقٍّ!، فَكَيْفَ الْحَالُ بِمَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟!، فَالْأَمْرُ جِدُّ خَطِيرٍ، وَالْجُرْمُ جِدُّ كَبِيرٍ؛ فَتَحَرَّوُا الطَيِّبَ الحَلاَلَ، وَاحْذَرُوا الغُلوُلَ فِي الْأَمْوَالِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمَالَ الْعَامَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَاِمْتِنانَهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرَيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِه وَأَصْحَابِهُ وَإِخْوَانِهُ. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْكَرِيمُ، إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْفَظُ الْأمَانَةَ، وَرَأَيتَهُ يُؤَدِّيَهَا مُرَاقِبًا اللهَ فِي ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ وَراءَ ذَلِكَ قَلْبًا سَلِيمًا، يَخَافُ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ وَيَتَّقِيهِ، وَأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ يَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ اللهَ مُحَاسِبُهُ وَسَائِلُهُ وَمَجَازِيْهُ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ» رواه الترمذيُّ وهو حديثٌ صحيحٌ.
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيّنَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الْعَبْدَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى سَوْفَ يُسْأَلُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَعَدَّ مِنْهَا الْمَالَ.
يُسْأَلُ عَنْ هَذَا الْمَالِ أَهُوَ مِنْ حَلاَلٍ أَوْ مِنْ حَرَامٍ ؟، وَهَلْ أَنْفَقَهُ فِي حِلٍّ أَمْ فِي حُرْمَةٍ ؟، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَالِ الْعَامِّ شَيْئًا أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ؛ فَالإِنْسَانُ مَسْؤُولٌ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَنْ هَذَا الْمَالِ، وَبِلَادُنَا – وَفَقَّهَا اللهُ – قَامَتْ بِمُحَارَبَةِ الْمُفْسِدِينَ أَيًّا كَانَ حَالُهُمْ، حِفْظًا لأَمْوَالِ النَّاسِ وَحِفْظًا لِحُقوقِهِمْ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ. فَكُنْ – أَيُّهَا الْمُوَاطِنُ الصَّالِحُ – عَوْنًا لِوَلِيِّ الأَمْرِ فِي ذَلِكَ، وَقُدْوَةً حَسَنَةً فِي حِفَاظِكَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُجَنِّبَنَا الْمَكْسَبَ الْحَرَامَ، وَأَنْ يُطَهِّرَ أَمْوَالَنَا وَأَعْمَالَنَا مِنَ الْحَرَامِ، وَأَنْ يُبْعِدَنَا عَنِ الآثَامِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦ ].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللهُمَّ أعزَّ الإسلامَ وَالمسلمينَ وَأذلَّ الشرْكَ والمشركينَ ودمرْ أعداءَ الدينِ اللهُمَّ آمِنَّا فيِ أوطانِنَا وأصلحْ أئمتَنَا وَولاةَ أمورِنَا الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الْشَّرِيِفَيْنِ لِمَا تحبُّ وَترضَى، وَخُذْ بناصيتِهِ للبِّرِ وَالتَّقوَى، اللهُمَّ وفِّقْهُ وَوليَّ العهْدِ لِمَا فيهِ صلاحُ البلادِ وَالعبادِ، اللهُمَّ إنَّا استودعنَاكَ جنودَنَا وَرجالَ أمنِنَا فَاحرسْهُمْ بعينِكَ التيِ لاَ تنامُ وَأعنْهُمْ وَانصرْهُمْ.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميعِ سخَطِك.
اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عُمِّنَّ سِوَاكَ، وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحَقُنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ.
اللهُمَّ اجعلْ لَنَا وَللمسلمينَ مِنْ كلِّ همٍ فرجًا، وَمِنْ كلِّ ضيقٍ مخرجًا، وَمِنْ كلِّ بلاءٍ عافيةً، اللهُمَّ اغفرْ ذنوبَنَا، وَاستُرْ عيوبَنَا، وَيسِّرْ أمورَنَا، وَبلِّغْنَا فيمَا يُرضِيكَ آمالَنَا، ربَّنَا اغفِرْ لَنَا وَلوالدِينَا، وَارحَمهُمْ كمَا ربَّونَا صِغارًا.
سبحانَ ربِكَ ربِّ العزةِ عمَّا يصفُونَ، وَسلامٌ علَى المرسلِينَ، وَالحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
◙ انتقاء وتنسيق مجموعة خطب منبرية
◙ قناة التيلغرام :
https://t.me/kutab
◙ الموقع الاكتروني :
https://kutabmnbr.com/
◙ وصلنا ولله الحمد إلى 20 مجموعة واتس ، وهذا رابط المجموعة رقم 11
https://chat.whatsapp.com/DMBym5ISIes3Oss4zWqEUM