التحذيرُ من صُوَرِ الشِّرْكِ

التحذيرُ من صُوَرِ الشِّرْكِ

الخطبةُ الأولى

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .

أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .

أيُّها المسلمونَ ، إنَّ أعظمَ ما أَمَرَ اللهُ به التوحيدُ ، وأعظمَ ما نهى اللهُ عنه الشركُ ، قالَ تعالى : ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ، وإنَّ أظلمَ الظلمِ وأعظمَ الإثمِ الإشراكُ باللهِ ، قالَ اللهُ تعالى : ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ، وقالَ سبحانَه : ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ ، وقالَ سبحانَه : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ ، ولَقَدْ حَذَّرَ اللهُ كلَّ نبيٍّ من الشركِ كما قالَ سبحانَه : ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ .

وأخبرَ اللهُ أنَّ أكثرَ مَنْ يؤمِنُ به يقعُ في الشركِ فقالَ : ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ ، سواءٌ كانَ شركاً أكبرَ أو أصغرَ ،  وعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ قال : «الشركُ في أمَّتي أخفى من دبيبِ النَّمْلِ على الصَّفَا» ، أخرجه أحمدُ وهو حديثٌ صحيحٌ .

فعلى المسلمِ أنْ يخافَ على نفسِه من الشركِ كبيرِه وصغيرِه ، يقولُ النبيُّ : «إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ الرِّياءُ ، يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جَزَى الناسَ بأعمالِهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظُروا هل تَجِدونَ عندَهم جزاءً؟» ، رواه أحمدُ وهو حديثٌ صحيحٌ .

أيُّها المسلمون ، هذه بَعْضُ صُوَرِ الشِّرْكِ المنتشرةِ بين المسلمينَ :

فَمِن الشركِ باللهِ الاستغاثةُ والاستجارةُ بغيرِه سبحانَه ، فَمِن الناسِ مَنْ يدعو القبورَ والأولياءَ ويستغيثُ بهم عندَ الشَّدائدِ من دونِ اللهِ تعالى ، وهذا شركٌ أكبرُ مخرجٌ من الـمِلَّةِ ، قالَ اللهُ تعالى : ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ، وقالَ سبحانَه : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ ، فالدُّعَاءُ هو العبادةُ ، ومَنْ صَرَفَه لغيرِ اللهِ فَقَدْ عَبَدَ غيرَ اللهِ وأشركَ معَ اللهِ ، روى أبو داوودَ عن النعمانِ بنِ بَشِيرٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : «الدعاءُ هو العبادةُ» ، ثم قرأَ قولَه تعالى : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ .

ومن ذلك طَلَبُ الـمَدَدِ من رسولِ اللهِ أو من غيرِه ، بأنْ يقولَ : مَدَدٌ يا رسولَ اللهِ ، أو مَدَدٌ يا فلانٌ ، أو أغثني يا رسولَ اللهِ ،  فإنَّ ذلك شِرْكٌ باللهِ نعوذُ باللهِ من الضَّلَالِ .

ومن الشركِ باللهِ اعتقادُ أنَّ غيرَ اللهِ بيدِه الضُّرُّ أو النَّفْعُ ، قالَ سبحانَه : ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ، وقالَ : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ .

ومن الشركِ باللهِ قولُ بعضِهم : دَخَلْتُ على اللهِ وعَلَيكَ ، ما لي إلا اللهُ وأنتَ ، اللهُ لي في السماءِ وأنت لي في الأرضِ ، وقولُ : ما شاءَ اللهُ وشئتَ ، روى أحمدُ وأبو داوودَ من حديثِ حذيفةَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قالَ : «لا تقولُوا : ما شاءَ اللهُ وشاءَ فلانٌ ، ولكنْ قُولُوا : ما شاءَ اللهُ ثمَّ شاءَ فلانٌ» حديثٌ صحيحٌ .

ومن الشركِ باللهِ نسبةُ النعمةِ إلى إنسانٍ ، أو إلى بقعةٍ ، أو إلى فعلِ فاعلٍ ، أو إلى صَنْعَةٍ ، أو إلى مخلوقٍ ، كلُّ ذلك من نسبةِ النِّعَمِ إلى غيرِ اللهِ ، وهو نوعٌ من أنواعِ الشركِ الأصغرِ باللهِ ، فعن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنه في قوله تعالى : ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ ، قالَ : ((الأندادُ هو الشركُ أخفى من دبيبِ النملِ على صخرةٍ سوداءَ في ظُلْمَةِ الليلِ ، وهو أنْ تقولَ : واللهِ وحياتِك يا فلانُ ، وحياتِي ، وتقولُ : ولولا كلبةُ هذا لأتانا اللصوصُ ، ولولا البَطُّ في الدارِ لأتى اللصوصُ ، وقولُ الرَّجُلِ لصاحبِه : ما شاءَ اللهُ وشئتَ ، وقولُ الرَّجُلِ : لولا اللهُ وفلانٌ ، لا تجعلْ فيها (فلانٌ) ، هذا كُلُّه شِرْكٌ)) ، رواه ابنُ أبي حَاتَمٍ .

ومن الشركِ باللهِ الغُلُوُّ في قبورِ الصالحين ، فمجاوزةُ الحدِّ في قبورِ الصالحين هي مجاوزةٌ لما أمرَ الشَّارعُ أن تكونَ عليه القُبُورُ ؛ والغُلُوُّ فيها يكونُ برفعِها ، أو بالبناءِ عليها ، أو باتِّخَاذِها مساجدَ ، وكلُّ هذا من الوسائلِ المؤَدِّيَةِ إلى الشركِ الأكبرِ .

ومن صُوَرِ الشِّرْكِ باللهِ التبرُّكُ بقبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ، أو التَّمَسُّحُ به ، أو السؤالُ عندَه ، وكذا غيرِه من قبورِ الصَّحَابةِ والآلِ والأولياءِ الصالحينَ ، وكذا التَّبَرُّكُ بالشَّجَرِ والحجرِ ونحوِهما .

ومن الشركِ باللهِ السِّحْرُ والكَهَانَةُ والذَّهَابُ إلى الـمُشَعْوِذِينَ والمنجِّمينَ ، روى أحمدُ والحاكمُ من حديثِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال : «مَنْ أتَى عَرَّافاً أو كاهناً فصدَّقَه بما يقولُ فقدْ كَفَرَ بما أُنزلَ على مُحَمَّدٍ» حديثٌ صحيحٌ .

ومن الشركِ باللهِ الحَلِفُ بغيرِ اللهِ تعالى كالحَلِفِ بالنبيَّ أو بجاهِه ، وقولِ بعضِهم : وحَياةِ أبوك ، وقولِ بعضِهم : بشرفي ، والحلفِ بالطلاقِ ، والحَلِفِ بالأمانةِ ، روى أحمدُ والترمذيُّ والحاكمُ عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال : «مَنْ حَلَفَ بغيرِ اللهِ فقد أَشْرَكَ» ، وفي الحديثِ الصحيحِ عن بريدةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ : «مَنْ حَلَفَ بالأمانةِ فليس مِنَّا» رواه أبو داوودَ .

ومن الشركِ باللهِ الذَّبْحُ لغيرِ اللهِ تعالى ، وهو من الشركِ الأكبرِ لأنَّ الذبحَ لغيرِ اللهِ تعالى عبادةٌ وصَرْفُها لغيرِ اللهِ تعالى شِرْكٌ ، كالذبحِ للقبورِ والأولياءِ والتَّقَرُّبِ إليهم بها ، وكالذَّبْحِ للجنِّ تَقَرُّباً إليهم من قِبَلِ السَّحَرَةِ أو مَنْ يطيعُهم من الجُهَّالِ الذين يأتون إليهم طَلَباً للشفاءِ ، وكالذَّبْحِ عند بناءِ البيتِ وتلطيخِ دَمِ الذبيحةِ على قواعدِ البناءِ عند تأسيسِه ، أو كالذبحِ عند سَكَنِ البيتِ الجديدِ وتلطيخِ دَمِه عل جدرانِه من أجلِ حمايتِه من الجنِّ ، وهذا كلُّه شِرْكٌ لا يجوزُ .

ومن الشركِ باللهِ النَّذْرُ لغيرِ اللهِ ، فالنَّذْرُ عبادةٌ للهِ لا تُصْرَفُ إلا للهِ وحدَه ، وصرفُ أيِّ عبادةٍ لغيرِ اللهِ شركٌ .

ومن الشركِ باللهِ قولُ الإنسانِ بعدَ حُدُوثِ أمرٍ يكرَهُه : لو أنني فعلتُ كذا لكانَ كذا وكذا ، فهذا الاعتراضُ محرَّمٌ ؛ لأنَّه اعتراضٌ على القَدَرِ ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يقولُ : «احرصْ على ما ينفَعُك ، واستَعِنْ باللهِ ، ولا تَعْجَزْ ، فإنْ أصابَك شيءٌ فلا تَقُلْ : لو أنِّي فعلتُ كذا لكانَ كذا وكذا ، ولكنْ قُلْ : قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ ، فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشيطانِ» ، رواه مُسْلِمٌ .

باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ على إحسانِه ، والشُّكْرُ له على توفيقِه وامتنانِه ، والصلاةُ والسَّلامُ على رسولِه ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين ، وبعدُ : أيُّها المؤمِنون ، ومن الشِّرْكِ باللهِ التَّعَلُّقُ بالأسبابِ والغفلةُ عن خالقِ الأسبابِ ، وهو اللهُ تباركَ وتعالى ، والواجِبُ التَّوَكُّلُ على اللهِ وحدَه ، فيتعَلَّقُ القلبُ باللهِ وحدَه مع الأخذِ بالأسبابِ الشرعِيَّةِ ، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ .

ومن الشركِ باللهِ اتِّخَاذُ حَلَقَةٍ أو خاتَمٍ أو حَبْلٍ أو أيِّ حِرْزٍ لجلبِ الخيرِ أو دفعِ الشَّرِ ، فعنْ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ : سمعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : «إنَّ الرُّقَى والتمائمَ والتِّوَلةَ شِرْكٌ» ، رواه أحمدُ وأبو داوودَ وهو حديثٌ صحيحٌ ، والرُّقَى هي التي تكونُ بألفاظٍ لا يُعْرَفُ معناها أو بأسماءِ شياطين ،  والتمائمُ هي ما تُعَلَّقُ على المريضِ اتِّقَاءَ العينِ ، والتِّوَلَةُ شيءٌ تصنعُه بعضُ النساءِ لأزواجِهِنَّ لتزدادَ محبَّتُه لها .

ومن ذلك ما يفعلُه بعضُ النَّاسِ من تعليقِ عينٍ زرقاءَ في السَّيَّارةِ أو على صدرِه ، أو تعليقِ صَدَفَةٍ أو تعليقِ حُدْوَةِ حصانٍ على بابِ المنزلِ ظَنَّاً منه أنَّ ذلك ينفعُ أو يُبْعِدُ العينَ ، كلُّ ذلك من الشركِ باللهِ والعياذُ باللهِ ، فإنَّ الأمرَ بيدِ اللهِ ، وما هذه الأشياءُ إلا من عَمَلِ الشَّيْطَانِ وإضلالِه للنَّاسِ .

ومن الشركِ باللهِ قولُ : (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا) ، والنَّوءُ هو النَّجْمُ ، فإذا أرادَ بذلك أنَّ النَّوءَ هو الذي أَحْدَثَ المطرَ وهو الـمُتَصَرِّفُ في الكونِ فهذا شركٌ أكبرُ ، وإنْ كان قصدُه أنَّ النَّوءَ سَبَبٌ فهذا شركٌ أصغرُ ، فليسَ للنَّوْءِ تَسَبُّبٌ بل كُلُّه من اللهِ ، والمشروعُ أنْ يُقَالَ : مُطِرْنا بفضلِ اللهِ ورحمتِه .

ومن الشِّرْكِ باللهِ اعتقادُ تأثيرِ النجومِ والكواكبِ في الحوادثِ وحياةِ الناسِ ، والتنجيمُ : هو الاستدلالُ بالأحوالِ الفلكيَّةِ على الحوادثِ الأرضيَّةِ ، والتنجيمُ يعني النَّظَرَ في النجومِ واجتماعِها وافتراقِها وطُلوعِها وغروبِها وتقارُبِها وتباعُدِها وهو من دعوى علمِ الغيبِ الباطلةِ التي أَبْطَلَها اللهُ جَلَّ وعلا بقولِه : ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ .

ومن الشركِ باللهِ قولُ بعضِ الناسِ : شاءتِ الأقدارُ ، أو شاءتِ الظُّرُوفُ أنْ يحصلَ كذا وكذا ، وهذا لا يجوزُ ؛ لأنَّ الظُّرُوفَ أو الأقدارَ لا تشاءُ ، وإنما المشيئةُ والأقدارُ بيدِ اللهِ تبارك وتعالى .

ومن الشركِ باللهِ الرِّياءُ ، قالَ اللهُ تعالى : ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ، وعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يقولُ : «قالَ اللهُ تعالى : أنا أغنى الشركاءِ عن الشركِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ معي فيه غيرِي تركتُه وشِرْكَه» ، رواه مُسْلِمٌ ، وعن أبي سعيدٍ مرفوعاً : «ألَا أُخْبِرُكُم بما هو أخْوَفُ عليكم عندي من المسيحِ الدَّجَالِ ؟» ، قالوا : بلى ، قال : «الشِّرْكُ الخفيُّ ؛ يقولُ الرَّجُلُ فيُصَلِّي فيزيِّنُ صلاتَه لما يَرَى من نَظَرِ الرَّجُلِ» ، رواه ابنُ ماجه وهو حديثٌ حَسَنٌ .

ومن الشركِ باللهِ التَّطَيُّرُ ، وهو التشاؤُمُ ببعضِ الأيَّامِ أو الشُّهُورِ أو الطيورِ أو الأسماءِ أو الألفاظِ أو البقاعِ وغيرِها ، وفي السُّنَنِ بسندٍ صحيحٍ عن ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال : «الطِّيَرةُ شِرْكٌ» ، قال ابنُ مسعودٍ : ((وما مِنَّا ، ولكنَّ اللهَ يُذْهبُه بالتَّوَكُّلِ)) .

ومن الشِّرْكِ باللهِ نسبةُ الكوارثِ إلى أسبابِها الطبيعِيَّةِ ، لا إلى اللهِ المتَفَرِّدِ بالخلْقِ والتدبيرِ في الكونِ .

ومن الشركِ باللهِ الشِّرْكُ في الإراداتِ والنِّيَّاتِ ، قالَ ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ عن هذا الشركِ : (فذلك البحرُ الذي لا ساحلَ له ، وقلَّ مَنْ ينجو منه ، فَمَنْ أرادَ بعملِه غيرَ وجهِ اللهِ ، ونوى شيئاً غيرَ التَّقَرُّبِ إليه وطَلَبَ الجزاءَ منه ، فقد أشركَ في نيَّتِه وإرادتِه) .

اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بك من الشِّرْكِ ، ونعوذُ بك من الرِّياءِ ، ونعوذُ بك أنْ نشركَ بك ونحنُ نعلمُ ، ونستغفرك لما لا نَعْلَمُ .

عِبَادَ اللهِ ، قَالَ اللهُ جَلَّ في عُلَاه : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ، اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

اللهُمَّ حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبِنا ، وكَرِّهْ إلينا الكُفْرَ والفسوقَ والعصيانَ ، واجعلْنا من الراشدينَ .

ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النارِ .

اللهم لا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا ، ولا مبلغَ علمِنا ، وأعنَّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك ، اللهُمَّ خَلِّصْنا من حقوقِ خلقِك وباركْ لنا في الحلالِ من رزقِك ، وتوفَّنا مسلمِين ، وألحقْنا في الصالحين يا ربَّ العالمين ، اللهُمَّ أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا ، وأصلحْ لنا دنيانَا التي فيها معاشُنا ، وأصلحْ لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا واجعل الدنيا زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ والموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ حُكَّاماً ومحكومين ، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ المسلمين على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّك محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ، واجعلهم يداً واحدةً على مَنْ سُواهم ، ولا تجعلْ لأعدائِهم مِنَّةً عليهم يا ربَّ العالمين ، اللهُمَّ أعذْهم من شرِّ الفتنةِ والفُرْقَةِ والاختلافِ يا حيُّ يا قيومُ ، اللهُمَّ احفظْ لبلادِنا دينَها وعقيدتَها وأمنَها وعزَّتَها وسيادتَها واستقرارَها ، واحمِ حدودَها وانصرْ جنودَها يا ذا الجلالِ والإكرامِ ، اللهُمَّ وفِّقْ حكامَنا وأعوانَهم لما فيه صلاحُ أمرِ الإسلامِ والمسلمين يا حيُّ يا قيومُ ، اللهم اغفرْ لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانيةِ ولنبيِّك بالرسالةِ وماتوا على ذلك ، اللهم اغفرْ لهم وارحمْهم وعافِهم واعفُ عنهم ووسِّعْ مُدْخَلَهم وأكرمْ نُزُلَهم واغسلْهم بالماءِ والثلجِ والبَرَدِ ونقِّهم من الذنوبِ والخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدنسِ ، وارحمْنا إذا صِرْنا إلى ما صاروا إليه برحمتِك يا أرحمَ الراحمين ، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .

تنسيق مجموعة خطب منبرية

قناة التيلغرام : t.me/kutab

وصلنا إلى 19 مجموعة ولله الحمد ، مثال : مجموعة الواتس أب رقم 15 :

https://chat.whatsapp.com/HPw1AePG02o8RbGJkoZ4vc