أسباب رفع البلاء

أسبابُ رفعِ البلاءِ

الخطبة الأولى

إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين . أما بعدُ: عبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ تعالى، ولا تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أنَّ تقوى اللهِ تعالى لا تَتِمُّ للعبدِ إلا بالأخذِ بمكارِمِ هذه الشَّريعةِ وفضائلِها علمًا، وامتثالِها في الحياةِ واقعاً وعَمَلاً.   أيُّها المسلمون ؛ إنَّ اللهَ تعالى جعلَ هذه الدنيا دارَ ابتلاءٍ واختبارٍ، وإنَّ ما فيها من خيرٍ وشرٍّ، ويسرٍ وعسرٍ، وفَرَحٍ وحُزْنٍ، ورخاءٍ وشِدَّةٍ؛ إنما هو محضُ تمحيصٍ واختبارٍ من اللهِ تعالى لعبادِه؛ كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة 155 ، ومِن فضلِ اللهِ تعالى ورحمتِه بعبادِه أنْ يُيَسِّر لهم عباداتٍ وأسبابًا ترفَعُ ذلك البلاءَ قبل وقوعِه وبعد وقوعِه.

إنَّ أعظمَ أسبابِ رفعِ البلاءِ هو الدعاءُ والتضرُّعُ إلى اللهِ تعالى؛ فإنَّ الابتلاءاتِ إذا نَزَلَتْ فلا يرفَعُها إلا الذي أَنْزَلَها؛ قالَ اللهُ تعالىَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ البقرة 186، وقالَ اللهُ تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأنعام: 43، وقالَ تعالَى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الأنعام: 17، وقال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف: 55، 56، وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ فيتلقَّاه الدعاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ»؛ رواه الحاكمُ وهو حديثٌ حَسَنٌ .

ومنه الدُّعَاءُ في أوقاتِ الرَّخَاءِ، فعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ»؛ رواه الترمذي والحاكم وهو حديثٌ حَسَنٌ .

ومن أعظمِ أدعيةِ الكَرْبِ دَعْوَةُ ذي النُّونِ يونُسَ عليه السلامُ وهو في بطنِ الحُوْتِ، فعَنْ سَعْدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا بها وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»؛ رواه أحمدُ والترمذيُّ وهو حديثٌ صحيحٌ . وهذا الدُّعاءُ وَرَدَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء 87 .

ومن الأدعيةِ النبويَّةِ أيضًا ما وردَ في الصحيحين عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما أَنَّ النبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».

وعن أَبِي بَكْرَةَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»؛ رواه أحمدُ وأبو داودَ وهو حديثٌ حسنٌ .

ومن الأدعيةِ النَّبَوِيَّةِ المهمَّةِ دعاءٌ عظيمٌ وَرَدَتْ به السُّنَّةُ ، فإذا تراكَمَتْ عليك الهمومُ والأحزانُ؛ فعليكَ برفعِ يديكَ إلى السماءِ، واطْلُبْ من ربِّك، وأَلِحَّ عليه بالدعاءِ، وتوسَّلْ إليه بأسمائه الحسنى؛ فعَنْ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»؛ رواه أحمدُ وهو حديثٌ صحيحٌ .

ومن الأدعيةِ النَّبَويَّةِ ؛ دعاءُ مَنْ تَرَاكَمَتْ عليه الديونُ؛ فقد روى الترمذيُّ في سُنَنِه عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ» رواه الترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ .

فعلينا يا عبادَ اللهِ بالدعاءِ؛ فإنَّه بابٌ عظيمٌ من أبوابِ تفريجِ الكُرباتِ وقضاءِ الحاجاتِ؛ فَكَمْ من مريضٍ شُفِيَ بالدعاءِ، وكَمْ من مكروبٍ ومهمومٍ زالَ همُّه بالدعاءِ، وكَمْ من فقيرٍ أغناه اللهُ تعالى عندما دَعَاه، وكم من غائبٍ رجعَ إلى أهلِه بالدعاءِ، وكم من مُذْنِبٍ وعاصٍ غُفَرَ له بالدعاءِ، وكَمْ من ضَالٍّ مُنْحَرفٍ رَجَعَ إلى طريقِ الهدايةِ بالدعاءِ، وَكَمْ من مَيِّتٍ فى قبرِه يحتاجُ إلى الدعاءِ، أو رُفِعَتْ درجتُه بالدعاءِ.

ومن أسبابِ رفعِ البلاءِ قراءةُ القرآنِ الكريمِ؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الإسراء 82، وقالَ تعالَى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ فصلت 44، فكتابُ اللهِ شفاءٌ لجميعِ الأدواءِ والأمراضِ؛ فقد قرأَ الصحابيُّ فاتحةَ الكتابِ على مَنْ لُدِغَ بعقربٍ؛ فشَفَاه اللهُ تعالى من السُّمِّ الناقِعِ، فعجبًا من مريضٍ لم يتركْ طبيبًا إلا وذهبَ إليه، ثم غَفَلَ عن أعظمِ دواءٍ ، وهو التداوي بالقرآنِ الكريمِ.

ومن التحصينات العظيمةِ قراءةُ سورةِ الإخلاصِ والمعوِّذَتَين ثلاثَ مرَّاتٍ في الصباحِ والمساءِ؛ فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتُمْ؟»، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»؛ رواه أبو داودَ والترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ .

ومنها قراءةُ الآيتين من أواخرِ سورةِ البقرةِ في كلِّ ليلةٍ؛ فقد روى البخاريُّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ»، قال النوويُّ رحمه اللهُ: قِيلَ: مَعْنَاهُ: كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجَمِيعِ.

ومن التحصيناتِ القرآنيَّةِ الوقائيَّةِ قراءةُ آيةِ الكرسيِّ عند النومِ؛ كما في قصةِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه مع الشيطانِ لما وَكَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بحفظ ِزكاةِ رمضانَ كما في صحيحِ البخاريِّ: «فإنه لَنْ يَزَالَ معك مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ».

ومن أسباب ِرفعِ البلاءِ المحافظَةُ على الصلاةِ؛ فعن أبي الدرداءِ وأبي ذرٍّ رضيَ الله عنهما عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ عن اللهِ عزَّ وجلَّ أنه قال: «ابنَ آدمَ، اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكْفِكَ آخِرَه» رواه أبو داودَ وهو حديثٌ صحيحٌ .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ قال: «أرِحْنا بالصلاةِ يا بلالُ» رواه أبو داود وهو حديثٌ صحيحٌ ؛ فكانتْ قُرَّةَ عينِهِ وسعادتَهُ وبهجتَهُ.  وقال حذيفةُ رضيَ اللهُ عنه: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى؛ رواه أبو داودَ وهو حديثٌ صحيحٌ . لأنَّ في الصَّلاة راحةً، وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِ الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ البقرة 45.

وفي صحيحِ مسلمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ، فصلَّى بالناس، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا يَخْسفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ»، وَفي رواية: «فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ».

ومن الأسبابِ أيضًا لرفعِ البلاءِ قيامُ الليلِ؛ فعن بِلالٍ رضيَ اللهُ عنه، أَنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال: «عليكُمْ بِقيامِ اللَّيْلِ؛ فإِنَّـهُ دَأبُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُربَةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِيرٌ للسَّيِّئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ»؛ رواه الترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ.

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه . أَمَّا بَعْدُ:

أيها المسلمون : ومن الأسبابِ والأعمالِ اليسيرةِ لرفعِ البلاءِ التوبةُ إلى اللهِ تعالى، وكثْرةُ الاستغفارِ؛ كما قال اللهُ تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ نوح 10- 12، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33.

وعن أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنه قال: أمانانِ كانا على عهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلم رُفع أحدهما، وبقي الآخر: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾؛ رواه أحمدُ وهو أثرٌ صحيحٌ .

ومنها أيضًا كثرةُ الصَّلاةِ والسَّلَامِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ؛ فعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضيَ اللهُ عنه قال: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ»، قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: فَالنِّصْفَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: «إذًا تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبُكَ»؛ رواه الترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ .

ومن الأعمالِ التي ترفعُ البلاءَ عن الأموالِ والأبدانِ؛ صنائعُ المعروفِ؛ فعَنْ أَنسٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ» رواه الحاكمُ وهو حديث صحيحٌ .

وصنائعُ المعروفِ هي الإحسانُ إلى عبادِ اللهِ بعملِ المعروفِ، ولها صُوَرٌ كثيرةٌ منها: القَرْضُ الحَسَنُ أو البِرُّ أو الهديةُ أو الصَدَقَةُ أو إعانةٌ على قضاءِ حاجَةٍ  أو غيرُ ذلك من وجوهِ الإحسانِ المتنوِّعَةِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ الرحمن 60، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف 56.

ومن الأعمالِ التي ترفعُ البلاءَ الصَّدَقَةُ ؛ فإنها تُطفئُ غَضَبَ الرَّبِ، ففي سنن الترمذيِّ من حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقةُ تُطفِئ الخطيئة كما يُطفِئ الماءُ النارَ» حديث صحيح .

قال ابن القيِّمِ رحمه اللهُ : للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِ أنواعِ البلاءِ، ولو كانتْ من فاجِرٍ أو ظالمٍ؛ بل مِن كافرٍ، فإنَّ اللهَ تعالى يدفَعُ بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلومٌ عندَ الناسِ خاصَّتِهم وعامَّتِهم، وأهلُ الأرضِ كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه . انتهى كلامُه .

عبادَ اللهِ : صلُّوا وسلِّموا على خيرِ خلقِ اللهِ؛ محمَّدٍ بنِ عبدِالله، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمَّدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعةِ أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وعن آلِه الطيبين الطاهرين، وعن سائرِ صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وكرمِك يا أرحمَ الراحمين.

اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، اللهُمَّ انصُرْ دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.

اللهُمَّ احفظْ فلسطينَ وأهلَها من كلِّ سوءٍ ، اللهُمَّ نَجِّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهُمَّ عليك باليهودِ فإنهم لا يعجِزونك ، اللهُمَّ عليك بهم ، اللهُمَّ عليك بهم .

اللهُمَّ آمنَّا في أوطانِنا وأصلحْ أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخذْ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهُمَّ وفِّقْه ووليَّ العهدِ لما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ. اللهُمَّ إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك وتحوُّلِ عافيتِك وفُجاءةِ نقمتِك وجَميعِ سَخطِك، اللهُمَّ اغفِرْ ذنوبَنا واستُر عيوبَنا ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا . سبحانَ ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .

 

انتقاء وتنسيق مجموعة خطب منبرية

قناة التيلغرام :

t.me/kutab

وصلنا ولله الحمد إلى 20  مجموعة واتس ، وهذا رابط المجموعة رقم 17

https://chat.whatsapp.com/KCqcekH8djM3UBWAdPTdwE