شرور النفس
- بتاريخ : الأربعاء 27 ربيع الثاني 1446ﻫ
- مشاهدات :
شرورُ النفسِ
الخطبةُ الأولى
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعدُ: عبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالى، واعلمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الجهادِ أَنْ يُجاهِدَ الْمُؤْمِنُ نَفْسَهُ في ذاتِ اللهِ، وما ذاكَ إلا لأنَّ في النفسِ شُرُوراً كثيرةً تَحْتاجُ إلى مُجاهَدَةٍ، بل إنَّها مِنْ أعْدَى أعداءِ الإنسانِ.
مِنْ أَجْلِ ذلكَ كانَ الرَّسُولُ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يستعيذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ النَفْسِ وسيئاتِ الأعمالِ، فينبَغِي للمؤمنِ أنْ يَبْذُلَ أسبابَ السَّلامةِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ، وسيئاتِ أعمالِه.
ومِنْ هذِهِ الأسبابِ كَثْرَةُ الاستعاذةِ مِنْ شُرُورِ النفْسِ، ومِمَّا وَرَدَ في ذلك قَوْلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيــِّي». فهذِهِ شُرورٌ خمسةٌ، حَثَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ على الإستعاذةِ منها، كُلُّها مُتَعَلِّقَةٌ بالنَّفْسِ.
أَوَّلُها: الاستعاذةُ بالله من شرِّ السَّمْعِ، أي ألْتَجئُ بِكَ وأَعْتَصِمُ بِجَنابِكَ مِنْ شَرِّ سمعِي حتى لا أسمَعَ ما تَكْرَهُه، وما لا يُرْضيك مِن الباطل كالشركِ والكفرِ والغيبةِ والنميمةِ والكذبِ والزورِ والبهتانِ والمعازِفِ، وَوَفِّقْنِي لِسَمَاعِ ما يُرْضيك مِن العِلْمِ النَّافِعِ والذِّكْرِ والنَّصيحةِ والمَوْعِظَةِ.
«ومن شَرِّ بَصَري»: حتَّى لا أَرَى ما لا تَرْضاه، من النَّظَرِ الحَرامِ، الذي يُفسِدُ القلبَ وَيُشْغِلُه، أو يوقِدُ نارَ الشَّهوةِ فيه، ومِنْ تَتَبُّعِ العَوْراتِ والتَدَخُّلِ فيما لا يَعْني، ومِن نَظَرِ السُّخْرِيَةِ والاحتِقارِ للآخَرين.
«ومن شرِّ لِسَاني»: حتَّى لا أَنْطِقَ بِما لا يُرْضِيك، ولا أُشْغِلَهُ إلا بِما يُقّرِّبُني إليكَ.
«ومن شرِّ قلبي»: أي احْفَظْهُ من الشُّبُهاتِ والنِّفَاقِ والعَقَائِدِ الباطِلةِ، والشهواتِ والحَسَدِ والبغضاءِ والكِبْرِ، وارْزُقْني قَلْباً مؤمِناً خاشِعاً سَلِيماً.
وأمَّا قولُه: «ومِنْ شَرِّ مَنِيــِّـي»: فالمرادُ به الفَرْجُ، أي أعوذُ بك من شرِّ فَرْجي، بأنْ أُوقِعَهُ في غيرِ مَحَلِّه مِن الزنا واللواطِ والاسْتِمْتاعِ الْمُحَرَّمِ، فإنَّ شهوةَ الفَرْجِ من أعظمِ ما ابْتُلِيَ به الإنسانُ وخاصَّةً في هذا الزمانِ، مع كَثْرَةِ دُعاةِ الفتنِ والفسادِ، وكَثْرَةِ دَواعِيه، وانتشارِها، وكَثْرَةِ وسائِلِها.
عبادَ اللهِ: حفظُ الفرجِ سَبَبٌ من أسبابِ إجابةِ الدعاءِ ،فعَنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هاجرَ إبراهيمُ عليه السلامُ بِسَارَةَ، فدخلَ بها قريةً فيها مَلِكٌ من الملوكِ – أو جبَّارٌ من الجبابرَةِ – فقيلَ: دخلَ إبراهيمُ بامرأةٍ هي من أحسَنِ النساءِ، فأرسلَ إليه: مَنْ هذه التي مَعَكَ؟، قالَ: أُخْتي، ثم رجَعَ إليها، فقالَ: لا تُكذِّبي حديثِي، فإنِّي أخبَرْتُهم أنَّك أختي، واللهِ ما على الأرضِ من مؤمنٍ غيري وغيرُك، فأُرسِلَ بها إليه فقامَ إليها، فقامَتْ تتوضَّأُ وتصلِّي فقالتْ: ((اللهُمَّ إنْ كنتُ آمنتُ بكَ وبرسولِك وأحصَنْتُ فرجِي إلا على زَوْجي فلا تُسَلِّطْ عليَّ الكافرَ، فغَطَّ حتى ركَضَ بِرِجْلِه)) ، أي ضاقَ نفَسُه وكادَ يَختنِقُ وسُمِع له غَطيطٌ، وهو تَردُّدُ النفَسِ صاعدًا إلى الحلْقِ حتَّى يَسمَعَه مَن حَولَه. «حتَّى رَكَضَ بِرِجْلِه»، أي: حتَّى حرَّكَ رِجلَه وضرَبَ بها على الأرضِ مِن شِدَّةِ ما يَجِدُ، وتكرَّرَ الأمرُ ثلاثَ مراتٍ، في كل مرَّةٍ تتوسَّلُ إلى اللهِ بإيمانِها وحِفْظِ فرجِها وفي كل مرَّة يدفعُ اللهُ عنها هذا الجبَّارَ، حتى قالَ: ((واللهِ ما أرسَلْتُم إليَّ إلا شيطانًا، أرْجِعُوها إلى إبراهيمَ وأعطُوهَا آجَرَ، (يعني هاجَرَ) ، رواه البخاريُّ . فانظُرْ كيفَ أجابَ اللهُ دعوتَها حينَ توسَّلَتْ إليه بالإيمانِ وحِفْظِ الفرجِ .
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِينَ، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمينَ، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً، أما بعدُ: عبادَ اللهِ: إنَّ مَنْ أحبَّه اللهُ، حازَ على كُلِّ فضيلةٍ ومَصْلَحةٍ في الدينِ والدنيا، ويَكفي في ذلكَ ما أخبرَ اللهُ به في الحديثِ الذي يَرْوِيهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ عن رَبِّهِ تبارَكَ وتعالَى، أنَّ اللهَ لَمَّا ذَكَرَ عبدَهُ الْمَحْبُوب، قال: «فإذا أحْبَبْتُهُ كُنتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويَدَه التي يبطِشُ بها، وَرِجْلَه التي يمشِي بها، وإنْ سَأَلني لَاُعْطِيَنَّه، ولَئِن استعاذَني لأُعِيذَنَّه».
فَمَنْ أحبَّه اللهُ فازَ بهذا الفضلِ العظيمِ، والذي مِنْه حِفْظُ الجوارحِ واستعمالُها فيما يُرْضِي اللهَ، وليسَ كُلُّ أحَدٍ ينالُه، لِأنَّ محبةَ اللهِ لا تُنالُ إلا بأسبابِها، كما قالَ تعالَى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وقالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
عبادَ اللهِ : صلُّوا وسلِّموا على خيرِ خلقِ اللهِ؛ محمَّدٍ بنِ عبدِالله، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمَّدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعةِ أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وعن آلِه الطيبين الطاهرين، وعن سائرِ صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وكرمِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، اللهُمَّ انصُرْ دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهُمَّ احفظْ فلسطينَ وأهلَها من كلِّ سوءٍ ، اللهُمَّ نَجِّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهُمَّ عليك باليهودِ فإنهم لا يعجِزونك ، اللهُمَّ عليك بهم ، اللهُمَّ عليك بهم . اللهُمَّ احفظ السودانَ ، اللهم جَنِّبْ أهلَ السودانِ الفتنَ والحروبَ ، اللهُمَّ أعدْ لهم الأمنَ والسلامَ يا ربَّ العالمينَ .
اللهُمَّ آمنَّا في أوطانِنا وأصلحْ أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهُمَّ وفِّقْ وليَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخذْ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهُمَّ وفِّقْه ووليَّ العهدِ لما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ. اللهُمَّ إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك وتحوُّلِ عافيتِك وفُجاءةِ نقمتِك وجَميعِ سَخطِك، اللهُمَّ اغفِرْ ذنوبَنا واستُر عيوبَنا ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا .
اللهُمَّ اجعلْ خيرَ أعمالِنا خواتِمَها، اللهُمَّ اختمْ بالصالحاتِ أعمالَنا ، اللهُمَّ تقبَّلْ منا ، اللهُمَّ تقبَّل منا ، اللهُمَّ تقبَّل منَّا. سبحانَ ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
انتقاء وتنسيق مجموعة خطب منبرية
قناة التيلغرام :
t.me/kutab
وصلنا ولله الحمد إلى 20 مجموعة واتس ، وهذا رابط المجموعة رقم 17
https://chat.whatsapp.com/KCqcekH8djM3UBWAdPTdwE
جزى الله خيرا كاتب الخطبة .