صلاةُ الجَمَاعَةِ ومَغْفِرَةُ الذنوب
- بتاريخ : الأربعاء 11 محرم 1446ﻫ
- مشاهدات :
صلاةُ الجَمَاعَةِ ومَغْفِرَةُ الذنوب
الخطبةُ الأولى
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً ، أمّا بعد : أيُّها الناسُ : اتَّقُوا اللهَ تعالى ، وابْذُلُوا أسْبابَ الفَوْزِ بِرَحْمَتِهِ ، واعْلَمُوا أَنَّ المحرُومَ الحَقِيقِيَّ هُوَ المحرومُ مِنْ الإيمانِ والفَوْزِ بِرَحْمَةِ أَرْحَمِ الراحِمينَ ، ومَنْ حُرِمَ مِنْ بَذْلِ أَسْبابِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ.
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ تَطْهِيرِ العَبْدِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ومَحْوِ خَطاياه الـمُـحَافَظَةَ عَلَى صِلاةِ الجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَها وَتَأَمَّلَ أَحْكامَها وَتَفاصِيلَ أَفْعالِ العَبْدِ فِيها عَرَفَ السِّرَّ الذي بِهِ يَمْحُو اللهَ بِه خَطَاياه :
أَوَّلُها : مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ مِنْ خِلالِ اسْتِعْدادِهِ لِهذِهِ الصَّلاةِ بِالوُضُوءِ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم : «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفارِهِ».
الثاني : مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ مِن خِلالِ مَشْيِهِ إلى الصلاةِ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ : «فَإِنَّ أَحَدَكُم إذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى المَسْجِدَ لا يُرِيدُ إلا الصلاةَ ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلا رَفَعَهُ اللهُ بِها دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً ، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ ، وإذا دَخَلَ المَسْجِدَ ، كان في صَلاةٍ ما كانَت تَحْبِسُه ، وَتُصَلِّي عَلَيْه المَلائِكَةُ ما دامَ في مَجْلِسِه الذي يُصَلِّي فيه : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَه ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيه» .
الثالثُ : مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ بِسَبَبِ انتِظارِه الصلاةَ وَهُو في المَسْجِد كَما سَمِعْتُم في الحديثِ، فَإِنَّ طِيلَةَ مُدَّةِ جُلُوسِهِ وانْتِظارِهِ والمَلائِكَةُ تَدْعُو لَه : ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَه اللَّهُمَّ ارْحَمْه)) ، وهذا مِنْ أَكْبَرِ ما يُعِينُ العَبْدَ عَلَى الصَّبْرِ وَطُولِ الانْتِظارِ، لِأَنَّ مِن الناسِ مَنْ لا يُطِيقُ الاِنْتِظارَ فِي المَسْجِدِ ، فَهُوَ فِي مَلَلٍ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ ، فَإِذا تَذَكَّرَ هذا الفَضْلَ العظيمَ هانَ عَلَيْهِ الاِنْتِظارُ ، ثُمَّ اعْلَم أيُّها المسلمُ أَنَّ هذا الدعاءَ مِن الملائِكةِ مُسْتَمِرٌّ حَتى بَعْدَ فَراغِكَ مِن الصلاةِ ما دُمْتَ في مَجْلِسِكَ الذي صَلَّيْتَ فيه ، ما لَم تَنْقُضْ وُضُوءَكَ أَوْ تُؤْذِ أَحَدًا .
الرابع : مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ بِسَبَبِ التَّأْمِينِ خَلْفَ الإمامِ في الصلاةِ الجهريةِ، لِقَوْلِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «إذا قال الإمامُ : (غَيْرِ المغضوبِ عَلَيْهِم ولا الضالين), فَقُولُوا : آمين ، فإنه مَنْ وافَقَ تأمينُهُ تأمينَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَه ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِه» ، والمُرادُ أَنْ يَقُولَ المأمُومُ : آمِين ؛ بَعْدَ فَراغِ الإمامِ مِنْ قَوْلِ : (وَلَا الضَّالِّين) ، فَلا يَسْبِقُه ولا يَتَأَخَّرُ ، بَلْ يقولها بِمُجَرَّدِ ما يَنْقَطِعُ صَوْتُ الإمامِ ، لِأَنَّ الفاءَ تُفِيدُ الترتيبَ مَعَ التَّعْقِيبِ ، والواجبُ على المسلمِ في أَفعالِ الصلاةِ وأَقْوالِها أَنّْ يَأْتَمَّ بالإمامِ ، فَلا يَسْبِقُه ولا يُوافِقُه ولا يَتَأَخَّرُ عَنْه تَأَخُّرًا يَجْعَلُه يَتَخَلَّفُ عَن الإمامِ والمُصَلِّينَ ، لِقَوْلِه عليه الصلاةُ والسلام : «إنَّمَا جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْه» .
الخامسُ : مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ بِسَبَبِ مُتابَعَةِ الإمامِ في الذِّكْرِ الذي يُقالُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِن الرُّكُوعِ ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : «إذا قالَ الإمامُ : سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه ، فَقُولُوا : الَّلهُم رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ ، فَإِنَّه مَن وافَقَ قَوْلُه قَوْلَ الملائِكةِ غُفِرَ لَه ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه».
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخطبةُ الثانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً ، أَمّا بَعدُ :
عبادَ اللهِ : لِيِتَأَمَّلَ المسلمُ الذي يُصَلِّي وَحْدَه في بَيْتِه كَمْ فاتَه مِن الفَضْلِ العَظِيمِ في تَرْكِه صلاةَ الجَماعةِ ، وما يَحْصُلُ لِلمُصَلِّينَ مِن مَغْفِرةِ الذُّنُوبِ بِسَبَبِها ، وَلْيَتَأَمَّلْ أَيْضًا تَكْرارَ هذه العِبادَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ في اليَوْمِ والَّليْلَةِ .
في كُلِّ صلاةٍ تَتَكَرَّرُ مَعَهُ هذه الفَضَائِلُ ، فَإِنَّه يَتَرَدَّدُ على المَسْجِدِ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، وَيُصَلِّي سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَة ، فَكَمْ رَكْعَةً في الأُسْبُوعِ ؟ ، وَكَمْ رَكْعَةً في الشَّهْرِ ؟ ، وَكَمْ رَكْعَةً في السَّنَةِ ؟ ، وفي كُلِّ رَكعةٍ يُتابِعُ فيها الإمامَ بَعْدَ الفاتِحةِ ، وبَعدَ الرَّفْعِ مِن الرُّكُوعِ تَلُوحُ لُه فُرْصَةٌ قَدْ يُوافِقُ قَوْلُه فِيها قَوْلَ المَلائِكَةِ ، فَيُغْفَرُ لَه ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه ، وهُوَ على هذِه الحالِ طِيلَةَ عُمُرِهِ ، فَإِنَّه قَدْ يَلْقَى اللهَ طاهِرًا مِن الذُّنُوبِ .
وبِهذا يَتَبَيَّنُ لِلمسلمِ مَعْنَى قَوْلِ المؤذِّنِ : “حَيَّ عَلَى الفَلاحِ” ، ويَتَبَيَّنُ لَه مَعْنَى قَوْلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبابِ أَحَدِكُم يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِه شَيْءٌ ؟ ، قالُوا : لا يَبَقَى مِنْ دَرَنِه شَيْءٌ ، قال : فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطايا» .
أيها المسلمون : وإنَّه مما يُؤْسَفُ له تَخَلُّفُ كثيرٍ من المسلمينَ عن صلاةِ الجماعةِ ، وضياعُ هذه الأجورِ العظيمةِ ، بل إنَّ التَّخَلُّفَ عن صلاةِ الجماعَةِ بلا عُذْرٍ ذَنْبٌ كما دَلَّتْ عليه النصوصُ الشرعيَّةُ ، فلْنَحْذَرْ من ذلك ، وإنَّه يُلَاحَظُ ذلك خاصَّةً في الإجازةِ الصيفيَّةِ التي يَكْثُرُ فيها السَّهَرُ وتركُ صلاةِ الجَمَاعَةِ ، فَلْنَتَّقِ اللهَ ، ولْنُحَافِظْ على الصلواتِ الخَمْسِ جماعةً مع المسلمينَ في المساجِدِ ، ولْنَتَعَاهَدْ أبناءَنا ومَنْ هُمْ تحتَ مسؤوليَّتِنا على ذلك، فإنَّنَا مسؤولون عنهم أمامَ اللهِ تعالى .
عبادَ اللهِ ، صَلُّوا وسَلِّمُوا على رسولِ اللهِ ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على عبدِك ورسولِك محمَّدٍ ، وارضَ اللهُمَّ عن صحابةِ نبيِّك أجمعين .
اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَنا على الدينِ ، اللهُمَّ اجعل القرآنَ ربيعَ قُلوبِنا ، ونورَ صُدورِنِا ، وجَلاءَ أحزَانِنِا ، وذهابَ هُمُومِنا ، اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المهمومين من المسلمين ، ونَفِّسْ كَرْبَ المكروبين ، واقضِ الدينَ عن المدينين ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين .
اللهُمَّ احفظْ أخوتَنا في غزَّةَ وفلسطينَ ، اللهُمَّ عليك باليهودِ فإنَّهم لا يعجِزُونك . اللهُمَّ احفظْ أخوَتَنا في السودانِ ، اللهُمَّ سَلِّمْهم من الفِتَنِ والحُروبِ
اللهم تُبْ علينا إنك أنت التَّوابُ الرحيمُ . اللهم إنا نعوذُ بك من الوباءِ والغلاءِ والبلاءِ والفتنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ ، اللهم إنا نعوذُ بك من الزنا والفواحشِ والمعاصي . اللهُمَّ أصلحْ ولاةَ أمرنا . اللهُمَّ وَفِّقْ وليَّ أمرِنا لما تحبُّه وترضاه ، اللهم أصلحْ بطانتَه . اللهُمَّ آمنَّا في أوطانِنا ، اللهُمَّ إنا نسألك الأمنَ وسَعَةَ الرِّزْقِ والبركةَ فيه . اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمين ، اللهم احفظْ بلادَ المسلمين عموما من كلِّ سُوءٍ . اللهُمَّ اغفرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا ، وأَصْلِحْ قلوبَنا وذريَّاتِنا وأزواجَنا . اللهم إنا نعوذُ بك من الشركِ والنفاقِ والكفْرِ والفقرِ وسيءِ الأسقامِ . اللهم إنا نسألك الهُدَى والتُّقَى والعفافَ والغِنَى . اللهم أدخلنا الجنَّةَ .
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ .
◙ انتقاء وتنسيق مجموعة خطب منبرية
◙ قناة التيلغرام :
◙ الموقع الاكتروني :
◙ وصلنا ولله الحمد إلى 20 مجموعة واتس ، وهذا رابط المجموعة رقم 17
https://chat.whatsapp.com/IjHoqRhJJtbLFYw2XqdmQo